فصل: الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمـد الشرايبـي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمـد الشرايبـي

وكـان مـن أعيـان التجار المشتهرين كأسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهـم مـن أعيـان مصـر جربجية وأمراء ومنهم يوسف بك الشرايبي‏.‏

وكانوا في غاية من الغنى والرفاهيـة والنظـام ومكارم الأخلاق والأحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للأعارة والتغيير وأنتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونهـا فـي مواريثهـم ويرغبـون فيهـا ويشترونهـا بأغلـى ثمـن ويضعونهـا علـى الرفـوف والخزائـن والخورنقـات وفـي مجالسهـم جميعـًا‏.‏

فكـل مـن دخـل إلـى بيتهـم مـن أهل العلم إلى أي مكان يقصد الإعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالـب معروفـًا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن رده في مكانه رده وأن لم يرده وأختص بـه أو باعـه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارًا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والإتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة أسلافهم وأخلاقهم جميلة وأوضاعهم منزهة عن كـل نقـص ورذيلـة‏.‏

ومـن أوضاعهـم وطرائقهـم أنهـم لا يتزوجـون إلا مـن بعضهـم البعـض ولا تخـرج مـن بيتهـم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا أولموا الولائم وأطعموا الفقراء والقراء على نسق أعتادوه وتنزل العروس من حريم أبيها إلى مكان زوجهـا بالنسـاء الخلـس والمغاني والجنك تزفها ليلًا بالشموع وباب البيت مقلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الأزبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على أثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته‏.‏

وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم كثيرًا من غير سبق دعوة وكـان رضـوان كتخـدا يتفسـح عنـد المترجـم فـي كثيـر مـن الأوقـات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبه فـي ذلـك المجلـس إلا الطفـاء مـن ندمائـه وإذا قصـده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين‏.‏

وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم كبيرًا منهم وتحت يده الكاتـب والمستوفـي والجابـي فيجمـع لديـه جميـع الأيراد من الألتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على قدر حاله وقانون أستحقاقه‏.‏

وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمـع مـا فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته‏.‏

واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مـات كبارهـم وقـع بينهـم الاختلـاف واقتسمـوا الإيـراد وأختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي‏.‏

وتفرق الجمع وقلت البركة وأنعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا وأخانا في اللوذعي الأريب والنـادرة المفـرد النجيـب سيـدي إبراهيـم بـن محمـد بـن الـدادة الشرايبـي الغزالـي‏.‏

كـان رحمـه اللـه تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذع المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معـه أوقاتـا كانـت لعيـن الدهـر قـرة وعلـى مكتوب العمر عنوان المسرة‏.‏

وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيـس مواظبـًا علـى مذاكـرة العلـم وحضـور التدريـس حتـى كـدر المـوت ورده وبدد الدهـر الحسـود بنوائبـه عقـده كمـا يأتـي تتمـة ذلـك فـي سنـة وفاتـه وأنمحـت بموتـه مـن بيتهـم المآثـر وتبدد بقية عقدهم المتناثر‏.‏

ومـات أحمـد جلبـي ابـن الأميـر علـي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم‏.‏

ومنهم سليمان أغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171 وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان ومـات سلطـان الزمـان محمـود خان العثماني وكانت مدته نيفًا وعشرين سنة وهو آخر عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الأحوال والمأثر الحسنة‏.‏

توفي ثامن عشر صفر سنة 168‏.‏

وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن وأشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعـروض وعانـى نظـم الشعـر وكـان جيـد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والأنشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها وأجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه وأمتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي و أردفها بقصيـدة رائيـة بليغـة فـي هجـو المذكـور سامحهمـا اللـه‏.‏

وكـل ذلـك مذكور في الفوائح الجنانية لجامعه الشيخ عبد الله الأدكاوي‏.‏

حج رحمه الله ومات وهو آيب بأجرود سنة 1163‏.‏

ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم جربجي الصابونجي مقتولًا وخبره أنه لما توفي أبوه وأخـذ بلـاده وبيتهـم تجـاه العتبـة الزرقـاء علـى بركـة الأزبكيـة فتوفي أيضًا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك مـن معاتيقهـم وكـان محمـد جربجـي مثـل والـده بالبـاب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبـد اللـه كتخـدا القازدغلـي وعمـل ينكجـري فـأراد أن يقلـده أوده باشـه ويلبسـه الضلمـة فقصـد السفـر إلـى الوجـه القبلـي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر وأستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلًا طماعًا شرهًا في الدنيا وكان مماليكـه يهربون منه وكانت أخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء‏.‏

ولما مات إبراهيم كتخدا القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر أتباع إبراهيم كتخدا في الظهـور وكـان المتعيـن بالإمـارة منهـم عثمـان بـك الجرجـاوي وعلـي بـك الذي عرف بالغزاوي وحسين بـك الـذي عـرف بكشكـش وهـؤلاء الثلاثـة تقلدوا الصنجقية والإمارة في حياة أستاذهم‏.‏

والذي تقلـد الإمـارة منهـم بعـد موتـه حسيـن بـك الـذي عـرف بالصابونجـي وعلـي بـك بلـوط قبـان وخليل بك الكبيـر‏.‏

وأمـا مـن تأمـر منهـم بعـد قتـل حسيـن بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه واسمعيل بك أبـو مدفـع‏.‏

وأمـا مـن تأمـر بعـد ذلـك بعنايـة علـي بك بلوط قبان عندما ظهر أمره فهو اسمعيل بك الأخيـر الـذي تـزوج ببنـت أستاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي‏.‏

فلما أستقر أمرهم بعد خـروج رضـوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على أقرانه عثمان بك الجرجاوي فسـار سيـرًا عنيفـًا مـن غيـر تدبـر وناكـد زوجـه سيـده بنـت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها فشكـت أمرهـا إلـى كبـار الاختياريـة فخاطبـوه فـي شأنهـا وكلمـه حسـن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردًا قبيحـًا فتحزبـوا عليـه ونزعـوه مـن الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد‏.‏

لم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه‏.‏

وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبيـر القـوم والمشـار إليـه وكـان كريمـًا جـوادًا وجيهـًا وكـان يميل بطبعه إلى نصف حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهـو صغيـر وذهـب إلـى أبراهيـم جاويـش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثخم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وأنشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك أشتهر بالصابونجي ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان وهو عبـد الرحمـن أغـا المشهـور فـي شهـر شعبـان مـن سنـة 1171 وطلـع بالحـج في تلك السنة محمد بك بـن الدالـي ورجـع فـي سنـة 1172 ثـم أن المترجـم أخرج خشداشه علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات وأخرج خشداشه أيضًا عثمان بك الجرجاوي منفيًا إلى اسيوط وأراد نفي علي بك الغزاوي وإخراجه إلى جهة العادلية فسعى فيه اختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فألزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع بأحد من أقرانه وأرسل إلى خشداشه حسين بك المعروف بكشكش فأحضره من جرجا وكان حاكمًا بالولاية فأمره بالأقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة‏.‏

ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم ليينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني‏.‏

وضم إليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرًا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي أغا المنجي واسمعيل كاشف أبـو مدفـع وآخـر يسمـى حسـن كاشف‏.‏

وكانوا من إخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بـك كشكـش واستمالهـم سـرًا وأتفـق معهـم علـى أغتيالـه فحضـروا عنـده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم رجع صحبتهم إلىمصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيـل وباتـوا صحبتـه فـي أنـس وضحـك‏.‏

وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه أنعامًا فكتب إلـى كـل واحـد منهـم وصـولا بألـف ريـال وألـف أردب قمح وغلال ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعًا ونزلوا من القصر وأغلقوه على المماليك والطائفة من خـارج‏.‏

وركـب حسـن كاشـف جوجـه ركوبـة حسيـن بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجلـه بالسفـر يحتـج بسكـون الريـح أو ينـزل بالمراكـب ويعـدي إلى البر الآخر ويوهم أنه مسافر ثم يرجـع ليـلًا ويتعلـل بقضـاء أشغالـه‏.‏

وأستمـر علـى ذلـك الحـال ثلاثـة أيـام حتـى تمـم أغراضـه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات‏.‏

وأتفق معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر‏.‏

فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا حسيـن بـك كشكـش فأخبـروه بتمـام الأمـر فركـب معهـم ودخلـوا إلـى مصـر وذهـب كشكـش إلى بيت حسين بك الداودية وملكه بما فيه وأرسل بأحضار خشداشيه المنفيين‏.‏

وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة وأخذوا في طريقهـم أكابـر الوجاقليـة ومنهـم حسـن كتخـدا أبو شنب وهو من أغراض حسين بك المقتول وكان مريضـًا بالآكلـة فـي فمه‏.‏

فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فأخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم إلى القلعة وولوا علـي بـك كبيـر البلـد عوضـًا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا أعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به إلى المدينة فأدخلوه إلى بيت الشيـخ الشبـراوي بالرويعـي فغسلـوه وكفنـوه ودفنـوه بالقرافة‏.‏

وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية وأحضروا علي بك من النوساب وعثمان بك الجرجاوي من أسيـوط وقلدواخليـل كاشـف صنجقيـة واسمعيـل أبو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايا وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر‏:‏ وإخـوان تخذتهمـو دروعًا فكانوهـا ولكن للاعادي وخلتهمو سهامـا صائبـات فكانوها ولكن في فؤادي وأما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الإمام الفقيه المحـدث الأصولـي المتكلـم الماهـر الشاعـر الأديـب عبـد اللـه بـن محمـد بن عامر شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبًا في سنة 1092 هو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الأميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته أجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلكفي سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكـي فـي سابـع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتي المالكـي وتوفـي فـي ثامن عشري الحجه سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وأفترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والأخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرًا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للتدريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فأنضم إليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضـر جماعـة النفراوي إلى الجامع ليلًا ومعهم بنادق وأسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع وأخرجوا جماعة القلينـي وكسـروا بـاب الاقبغاويـة وأجلسـوا النفراوي مكان النشرتي‏.‏

فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة أنفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديـل‏.‏

وحضـر الوالـي فأخـرج القتلـى وتفـرق المجـاورون ولـم يبـق بالجامـع أحـد‏.‏

ولـم يصـل فيـه ذلـك اليـوم وفـي ثاني يوم طلع الشيـخ أحمـد النفـراوي إلـى الديـوان ومعـه حجـة الكشـف علـى المقتوليـن فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمـه بتعديـه وأمـره بلـزوم بيتـه وأمـر بنفـي الشيـخ محمـد شنـن إلـى بلـده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانـوا أثنـي عشـر رجـلًا‏.‏

وأستقـر القلينـي فـي المشيخـة والتدريـس‏.‏

ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات‏.‏

ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي‏.‏

ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخـة إلـى الشافعيـة فتولاهـا الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعـد أن تمكن وحضر الأشياخ كالشيخ خليل بن أبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بـن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد المغربي الصغير والشيخ عيد النمرسي‏.‏

وسمع الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبـد الله بن سالم البصر أيام حجه ولي يزل يترقى في الأحوال والأطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلـت شفاعتـه وصـار لأهـل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت عليه الأمراء وهادوه بأنفس ما عندهم وعمر دارًا عظيمة على بركة الأزبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارًا تجاه دار أبيه وصرف عليها أموالًا جمة‏.‏

وكان يقتني الظرائف والتحائـف مـن كل شيء والكتب المكلفة النفيسة بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامـر فـي كـل يـوم مـن اللحـم الضانـي رأسيـن مـن الغنـم السمـان يذبحـان فـي بيتـه وكـان طلبـة العلم في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والأحترام‏.‏

ومن آثـاره كتـاب مفائـح الألطـاف فـي مدائـح الأشـراف وشـرح الصـدر في غزوة بدر ألفها بإشارة علي باشا ابن الحكيم وذكـر فـي أخرهـا نبـذة مـن التاريـخ وولـاة مصـر إلـى وقت صاحب الإشارة‏.‏

وله ديوان يحتوي على غزليـات وأشعار ومقاطيع مشهور بأيدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبًا‏.‏

ومـات الشيـخ الإمـام الأحـق بالتقديـم الفقيـه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وأفتى وألف وأجاد ومنها حاشيته علـى شـرح الخطيـب علـي أبـي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمديـة وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحًا لطيفًا‏.‏

واختصر شـرح الحـزب الكبيـر للبنانـي ورسالـة فـي القـراءات العشـر وأخـرى فـي فضائـل ليلـة القدر وأخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر وأختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية على الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك‏.‏

ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 110 واستجاز له ولده من أبي الاسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم أجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى‏.‏

ومـات الشيـخ داود بـن سليمـان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بم خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضـر علـى كبـار أهـل العصـر كالشيـخ محمـد الزرقانـي والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الأحفاد بالأجداد وكان شيخًا معمرًا مسندًا له عناية بالحديث‏.‏

توفي في جمادى الثانية سنة 1170‏.‏

ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهيـر بكشك ورد مصر صغيرًا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي أحمد السوسـي تلميـذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلوحظ بالأنوار والأسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة أيام وأخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ أخبر بوصول المترجم وأودع له أمانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للإرشاد وأخذ العهود ويقال أبه تولى القطبانبة توفي سنة 1170‏.‏

ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بـن أحمـد الحنفـي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفـي ومسجـد محـرم فـي أنـواع الفنـون ولازم الشيخ العقيقي كثيرًا ثم أجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركـب فـي سفينـة فانكسـرت فخـرج مجردا يساتر العورة‏.‏

ومال إلى بعض خباء الأعراب فأكرمته امـرأة منهـم وجلس عندها مدة يخدمها وثم وصل إلى المنبع على هيئة رثه وأوى إلى جامعها‏.‏

وأتفـق لـه أنـه صعـد ليلـة مـن الليالـي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبًا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فأنعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق مـوت بعـض مشايـخ العربـان وتشاجـر أولاده بسبب قسمة التركة فأتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فرأى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان بأجرة معينة إلى مكة يستفتـي العلماء فاستقل الهجان الآجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وأمتنـع أكثرهـم ووقعـوا فـي الحيـرة‏.‏

فلمـا رأى المترجـم ذلـك طلـب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلًا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير وأجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هنـاك حتـى أشتهـر أمـره وأقبلـت عليه الدنيا‏.‏

فلما أمتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصـري رأى الوزيـر تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مـع الركـب إلـى مكـة وأكـرم وعـاد إلـى مصـر ولـم يـزل علـى حالـة مستقيمـة حتـى توفـي عـن فالـج جلـس فيـه شهـورًا فـي سنـة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم إحدى قرى مصر من إعمال ومـات الإمـام الأديـب المتفنـن أعجوبـة الزمـان علـى بـن تـاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالـم القلعـي الحنفـي المكـي ولـد بمكـة وتربـى فـي حجـر أبيـه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليـه وعلـى غيـره مـن فضـلاء مكة وأخذ عن الواردين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره فاستخرج منه اللآلى والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 وأجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمـل شرحـه علـى بديعيتـه وعلـى بديعيتيـن لشيخـه الشيـخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيـات وشرحـه علـى بديعيتـه ثلـاث مجلـدات قـرظ عليـه غالـب فضـلاء مصـر كالشبـراوي والادكـاوي والمرحومـي ومـن أهـل الحجـاز الشيـخ إبراهيـم المنوفـي وكـان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشـا ابـن الحكيـم التئـام زائـد لكونـه لـه قـوة يـد ومعرفـة فـي علـم الرمـل وكـان فـي أول اجتماعـه به في الروم أخبره بأمور فوقعت كما ذكرن فازداد عنده مهابة وقبولا‏.‏

ولما تولى المذكور ثاني توليته وهـي سنـة سبعيـن قـدم إليـه مـن مكـة من طريق البحر فأغذق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقـرب مـن جامع أزبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدًا للوزير‏.‏

ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في أجازة الوافدين مالًا وشعرًا‏.‏

ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية‏.‏

ولما عزل مخدومه توجـه إلـى بلـاد الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده أبهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار إليهم وأتخذ دارًا واسعة فيها أربعون قصرًا ووضع في كل قصر جارية بلوازمهـا‏.‏

ولمـا عـزل الوزيـر ونفـي إلـى إحـدى مـدن الـروم سلـب المترجـم جميـع ما كان بيده ونفي إلى الإسكندرية‏.‏

فمكث هناك حتى مات سنة 1172 شهيدًا غريبًا ولم يخلف بعده مثله‏.‏

وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الـدرج أقتـرح فيهـا بأنـواع منهـا وسـع الأطلـاع والتطريـز والـرث والأعتـراف والعـود والتعجيـب والترهيب والنعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه علـى البديعيـة‏.‏

ولمـا تغيـرت دولـة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض أنسه ذابل الأفنان ذا أحزان وأشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ‏.‏

ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجـي وهـو أخـو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان إنسانًا حسنًا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرًا من النـوادر والشواهـد وكـان منزلـه المشـرف علـى النيـل ببولـاق مـأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السـراري والجـواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة أسمها فاطمة موجودة في الأحياء إلى الآن‏.‏

ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفرواي والشيخ محمـد الزرقانـي ودرس بالجامـع الأزهـر وأنتفـع بـه الطلبـة وأختصـر المختصـر الخليلـي فـي نحـو الرابـع ثم شرحه وكان إنسانًا حسنًا منجمعًا عن الناس مقبلًا على شأنه توفي سنة 1173‏.‏

ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابـن أخـي الشيـخ عبـد الخالـق ولمـا توفـي عمـه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا أبهـة ووقـار محتشمـًا سليـم الصـدر كريـم النفـس بشوشًا‏.‏

توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171 وصلـي عليـه بالأزهـر وحمـل إلـى الزاويـة فدفـن عنـد عمـه وقـام بعـده فـي الخلافة الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وحيد دهره وفريد عصره فقهًا وأصولًا ومعقولًا جيد الاستحضار والحفظ للفروع الفقهية‏.‏

وأما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشبـاك ابـن الهائـم والجبـر والمقابلـة والمساحـة وحـل الأعداد فكان بحرًا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها‏.‏

وألف كتابًا حافلًا في الفروع الفقهية على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهـور معتمـد الأقوال في الأفتاء وله غير ذلك كثير‏.‏

وبالجملة فكان طودا راسخًا تلقى عنه كثيـر مـن أشيـاخ العصـر ومنهـم شيخنـا الشيـخ محمـد الشافعـي الجناجـي المالكي وغيره‏.‏

توفي سنة 170‏.‏ ومات